التحديات والإمكانيات الفلسطينية أمام أزمة كورونا
في الخامس من مارس 2020 سجلت الأراضي الفلسطينية أول إصابة لـ 7 حالات بفيروس كورنا “كوفيد-19″، وهو ما دفع الحكومة الفلسطينية إلى الإعلان المباشر في ذات اليوم عن حالة الطورايء لمدة 30 يوماً. و استنادا إلى مرسوم رئاسي، تم تجديدها للمرة الثانية مطلع أبريل2020. تبعها بعد قرابة الأسبوعين قرار آخر بمنع الحركة والتنقل ما بين المحافظات وداخل المدن، إلا ضمن استثناءات لقطاع الصحة والأمن وبعض القطاعات المرتبطة بتوفير الطعام والمواد التموينية والخبز، وضمن العديد من الضوابط والقيود.
أزمة كورونا، كانت كفيلة بطرح العديد من التساؤلات والتي كان في مقدمتها مدى إمكانية القدرة الفلسطينية على الصمود أمام تداعيات أزمة كورونا، وقدرة التعاطي معها؟ وأبرز التحديات التي يمكن أن تقف أمام خطط السلطة الفلسطينية لمواجهة الجائحة.
التحديات الموضوعية
تدير السلطة الفلسطينية الأزمة على تجمعات معزولة جغرافيا من جهة، ومسلوبة السيادة السياسية من جهة أخرى. وذلك نتيجة اتفاق أوسلو الموقع ما بين منظمة التحرير وإسرائيل، وطبيعة الإجراءات الإسرائيلية التي تبعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
الواقع المفروض إسرائيلياً هو التحدي الأكبر للسلطة الفلسطينية، فإسرائيل تتحكم في كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية. وتنتشر المستوطنات على امتداد الأراضي الفلسطينية. بالإضافة إلى خطورة انتقال فايروس كورونا للعمال الفلسطينيين في المستوطنات. حيث تظهر إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 76% من الإصابات بالفيروس هي لعمال داخل الأراضي المحتلة أو ممن خالطوهم.
توزيع مصدر الإصابات في أراضي السلطة الفلسطينية
المصدر موقع فايروس كورونا في الاراضي الفلسطينية (1 مايو 2020)
في ظل مواجهة الجائحة الصحية ترفض إسرائيل أي تحرك فلسطيني في الجزء الشرقي من مدينة القدس وكذلك المناطق المصنفة (C) وفق اتفاقية أوسلو. وتعمل على التضييق على تحركات المسؤولين الفلسطينيين في إطار مكافحة الأزمة. ومثال على ذلك اعتقال وزير القدس ومحافظها .
الواقع الصحي
بحسب معطيات وزارة الصحة الفلسطينية، فقد بلغ عدد الإصابات منذ بداية الأزمة مطلع مارس وحتى26 أبريل الماضي 495 إصابة. منها 251 في محافظة القدس. و17 في قطاع غزة. إضافة إلى عدد من الإصابات بين فلسطيني الشتات، وباقي الإصابات موزعة على محافظات الضفة.
وحسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن عدد أجهزة التنفس الاصطناعي المتوفر 120 جهازاً، ومن المحتمل زيادتها في ظل وصول بعض المساعدات إلى 250 جهازاً، وهو ما يعني نقصاً حاداً في حال اتسعت رقعة انتشار الفيروس وارتفعت أعداد المصابين المحتاجين للتنفس الاصطناعي. وما يزيد من هذا التحدي عدم توفر أعداد كافيه من الشرائح المستخدمة لعمليات الفحص، وهو ما أثر أيضا على نسبة الفحص اليومية التي لا تتعدى المئات. فيما يأتي قلة أماكن الحجر وعدد الطاقم الطبي العامل في القطاع الصحي تحديا إضافيا في هذا الإطار. وتظهر إحصائيات وزارة الصحة أنه منذ بداية الأزمة حتى 25 إبريل/ نيسان الماضي تم إجراء ما مجموعة نحو 29 ألف فحص فقط. ما سبق يعد مؤشرات على ضعف في البنية التحتية الصحية يصعب تجاوزه في المدى المنظور. وهذا يدفع بحالة خوف مما قد تصل إليه الحالة الصحية إذا ما تطور انتشار الفيروس.
التحدي الاقتصادي
في العام 2019، اعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على الضرائب والجمارك والرسوم التي يدفعها المواطن والمؤسسات المحلية. وهي تمثل ما نسبته 95% من موارد السلطة. ونتيجة حالة الطوارئ وركود الحالة الشرائية. فقد تتراجع الإيرادات المالية بنسبة 50 بالمئة. وهذا دفع السلطة الفلسطينية لعدم تمكنها من صرف 100 بالمئة من رواتب الموظفين العموميين.
وفقا لرئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور محمد اشتيه فإن العجز في الموازنة الفلسطينية أصبح حوالي 1.4 مليار دولار، فيما تشير التقارير الدولية والمحلية إلى أن حجم خسائر الاقتصاد الفلسطينية وناتجه المحلي، مقدر بحوالي 20% حتى نهاية العام، أي حوالي 3.2 مليار دولار.
أما فيما يتعلق بالأسر الفقيرة، أضافت الحكومة إلى قائمة الأسر التي تتلقى مساعدات مالية حكومية 11 ألف أسرة جديدة خلال أبريل الماضي، وستضيف إليها 9 آلاف أسرة جديدة للشهر المقبل، ليصل العدد الإجمالي إلى 125 ألف أسرة تتلقى مساعدات مالية، غالبيتها في قطاع غزة.
وبهدف التعامل مع الجانب الاقتصادي للجائحة وضعت الحكومة العديد من السياسيات. فقد أعلنت السلطة الفلسطينية عن توفير مبلغ 300 مليون دولار تمنح على شكل قروض ميسرة جدا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الأزمة.
وأعلنت السلطة الفلسطينية عن إنشاء صندوق أسمته صندوق “وقفة عز” ؛ للمساهمة في مواجهة تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا في فلسطين، وتهدف الحملة لجمع 20 مليون دينار أردني (28 مليون دولار)، إلا أنه لم يحقق حتى 27 أبريل ما مجموعة 8 مليون دينار (11 مليون دولار).
الانقسام الداخلي وإدارة الأزمة
منذ يونيو 2007 حتى الآن يعاني النظام السياسي الفلسطيني من الانقسام الداخلي، الذي أدى إلى تشكيل إدارتين للسلطة؛ أحدها في مدينة رام الله، والأخرى في قطاع غزة. وبغض النظر عن الأبعاد والخلفيات السياسية المسببة لهذه الحالة، إلا أنها تركت آثارا على إدارة الأزمة. وأبرزها عدم توحيد الموقف الإعلامي لوزارة الصحة الفلسطينية بين الضفة وغزة، إذ بات هناك مؤتمران صحفيان بفارق زمني بينهما للإعلان عن تطور الحالة الوبائية في كل منهما.
ولم يكن هناك تنسيق في الخطوات الإدارية والقرارات المتخذة لتجنب تأثيرات الوباء. ففي وقت أعلنت فيه رام الله عن قرارات تعطيل المدارس والجامعات والعديد من القطاعات، لم تتعاطى غزة مع هذه القرارات وعملت على تقييم الحالة وفقا لرؤيتها.
استمرار هذه الحالة، دفعت إلى تحرك جهات عدة للمطالبة باستغلال الظرف الإنساني المصاحب للجائحة بهدف إنهاء حالة الانقسام، مما قد يساهم في وضع خطط موحدة لمواجهة الوباء.
وأخيرا: القدرة على الاجتياز
ذهاب السلطة الفلسطينية إلى خيار الإعلان المبكر عن حالة الطواريء، والعمل على فصل المحافظات الفلسطينية عن بعضها البعض وتقليص الحركة داخل المدن نفسها، قد يكون أفضل الخيارات المتاحة لمواجهة الجائحة لغاية اللحظة. وإذا ما نظرنا لطبيعة التحديات أمام هذه الجائحة فلسطينياً، فإن خيارات المستقبل لاجتيازها تبقى مرهونة بعدة عوامل منها:
أولا: التشاركية ما بين الجهات الرسمية والجمهور، بهدف الوصول إلى حالة وعي كاملة في كيفية التعاطي مع الجائحة من خلال سبل الوقاية.
ثانياً: إعادة تشكيل العلاقة بين مكونات المجتمع الفلسطيني؛ و توحيد الجهود وفق الحد الأدنى من التوافق، وبما يتعلق بإعادة بناء وتنمية المجتمع في ظل الانعكاسات المتوقعة نتيجة هذه الأزمة. ثالثاً: تشكيل لجنة وطنية تشمل المكونات الفلسطينية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لوضع خطط اقتصادية وتنموية تواجه الأثار الاقتصادية المترتبة على أزمة كورونا. .
لا تتحمل فيستو أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء منظمة فيستو. تتعهد فيستو بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.