شباب الشرق الأوسط وتحديات تحقيق الأمن والسلم الدوليين: قراءة على ضوء قرار مجلس الأمن رقم 2250
مقدمة
في 9 ديسمبر 2015 اتخذ مجلس الأمن بإجماع أعضائه القرار الشهير رقم (2250) حول الشباب والسلم والأمن الدوليين. تبنى القرار، الأول من نوعه، الدور الهام والرئيسي للشباب في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، حيث حث حكومات دول العالم على إشراك الشباب في عمليات صنع القرار، وخاصة في المجتمعات التي تعاني من صراعات ونزاعات مسلحة [مثل كثير من بلدان الشرق الأوسط]. وأعلنت الأمم المتحدة إثر ذلك ذلك عن تشكيل لجنة دولية هدفها الرئيس هو العمل على إعداد دراسة مرحلية حول تعزيز دور الشباب في تحقيق عملية السلام والأمن الدولي.
فلماذا كان هذا القرار من مجلس الأمن بالإجماع؟ إلى أي مدى التزمت به الدول وهل كان له بالفعل أثر إيجابي على واقع الشباب ولا سيما في الشرق الأوسط؟ بل لماذا يبدو دور الشباب في منطقتنا العربية ملتبسا وما هي تحديات اندماج الشباب في عملية تحقيق الأمن والسلم الدوليين كما أوصى قرار مجلس الأمن؟
لماذا الشباب؟ واقع وتحديات
تعرف الجمعية العامة للأمم المتحدة الشباب بمن هم في الفئة العمرية 15-24، وهذا يقارب 18% من سكان العالم (1.2 مليار شاب). أما وفق قرار مجلس الأمن المذكور، فالشباب المقصودون هم الفئة العمرية ما بين 18-29 عاما، وهذا يعني عددا أكبر بكثير. ويعيش الغالبية العظمى من الشباب في البلدان النامية، حيث تبلغ نسبة السكان دون سن 24 عاما في الدول الأقل تقدما نحو 60 في المائة، وستزداد أعدادهم بواقع 60 في المائة أخرى بحلول منتصف هذا القرن.
وقد أثبتت الوقائع والصراعات، الداخلية والدولية منها، أن الشباب هم وقودها ومن أوسع فئات المجتمع تأثرا بها. وحسب إحصائيات معهد الاقتصاد والسلام (2016)، هناك ما يقارب 408 ملايين شابا وشابة يقيمون تحت تأثير النزاعات المسلحة والعنف المنظم، وهو ما يعني أن شابا واحدا من كل أربعة شباب قد تضرر من أعمال العنف والنزاعات المسلحة بطريقة أو بأخرى. وحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان (2015)، فإن أكثر من 90% من خسائر الأرواح من فئة االشباب، وهناك حوالي مائتي ألف حالة قتل حول العالم كل عام بين الشباب.
وحسب منظمة العمل الدولية، بلغت نسبة الفقر بين الشباب 13.1% (2016)، كما أن ما يقارب من 37.7% من الشباب العمال يعيشون في فقر مدقع أو معتدل على الرغم من أنهم يعملون، وبات 36.6% من الشباب يفضلون الزواج في سن متأخر لأسباب اقتصادية.
وعلى المستوى السياسي، يعاني الشباب من نقص التمثيل في المجالس النيابية والنقابية، حيث تبلغ نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما نسبة 1.9% من أعضاء البرلمان في العالم، كما لا يوجد برلمانيين أصغر من 30 عاما في أكثر من 80% من برلمانات العالم.
وهكذا، مثلت مشاركة الشباب وفق رؤية قرار مجلس الأمن إحدى الإستراتيجيات الإنمائية التي يمكن من خلالها للشباب التأثير على الموارد الإنمائية والسيطرة عليها والمساهمة بالقرارات العامة في ظل وجود واجب دولي يقع على عاتق الحكومات لكي تحرص على إفساح بل وتشجيع الشباب للتعبير عن رأيهم وتوفير البيئة المحفزة لهم ووضع سياسات لتمكينهم من المشاركة بشكل فاعل في عملية صنع القرار وتحقيق السلم والأمن الدوليين بما يؤدي إلى تعزيز ثقتهم بالحكومات وبالمجتمع الدولي.
المسؤوليات المترتبة على الدول تجاه الشباب على ضوء قرار مجلس الأمن
تركز القرار 2250 في خمسة محاور رئيسية، وهي المشاركة (إنشاء آليات لضمان مشاركة الشباب الفعالة في صنع القرار)، والشراكة (تفاعل الشباب الإيجابي مع الحكومة)، والحماية (حماية الشباب)، والوقاية (تنفيذ برامج وتوفير آليات لتعزيز ثقافة السلم و التسامح والحوار)، ونزع السلاح وإعادة دمج الشباب (إبعاد الشباب عن الميليشيات والجماعات المتطرفة بتوفير فرص أفضل لهم وإعادة دمجهم داخل المجتمع).
وتكتسب هذه النقاط أهميتها من أنها جاءت في قرار لمجلس الأمن، وليس في توصيات عامة ورت في تقرير حقوقي أو إنمائي لوكالة دولية، بما يعطيها الصفة اللازمة للإنفاذ.
ومن خلال استقراء ما ورد في القرار 2250 والمحددات التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة كآليات، نجد أن من أهم المسؤوليات المباشرة التي ترتبت على الدول تجاه الشباب بموجب ذلك هو العمل على ضمان زيادة تمثيلهم في المؤسسات والمجالس المحلية والوطنية والإقليمية والدولية، وتبني نهج متعددة في بنيتها وسياساتها الداخلية والخارجية، بما في ذلك:
– نهج حقوق الإنسان، ويشمل حقوق الطفل والقضاء على التمييز ضد المرأة وبرنامج العمل العالمي للشباب.
– ونهجا اقتصاديا يعزز وصول الشباب إلى الفرص الإقتصادية والتدريب المهني للشباب والنهوض بمستوى التعليم وتوفير التعليم الجامعي المجاني.
– ونهجا اجتماعيا وسياسيا يربط الشباب بالمجتمع المدني والساحة السياسية ويوفر فرص التدريب والدعم للأنشطة العامة.
– ونهجا اجتماعيا ثقافيا يدعم الحوار ويقوم على مبدأ “عدم إلحاق الضرر” بالآخرين.
وبطبيعة الحال، تتطلب تلك المسؤوليات زيادة الموارد المالية المنفقة على تنمية قدرات الشباب وزيادة المرافق التعليمية والثقافية التي تساهم في صقل المواهب والمشاركة المدنية، مع تفعيل آليات المحاسبة والرقابة على انتهاكات حقوق الإنسان وإشراك الشباب فيها، والعمل على اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم، خصوصا في حالة النزاعات المسلحة، وما يعقبها من إجراءات جبر الضرر وتعويض الضحايا. ويجب على الدول، حسب الاقتضاء، القيام ببتشجيع مشاركة الشباب في جهود السلام أثناء النزاعات وفي الفترات التي تعقُبها، بما في ذلك الجهود التي تضطلع بها الكيانات والصناديق والبرامج المعنية، ومنها مكتب الأمم المتحدة لدعم بناء السلام، وصندوق الأمم المتحدة لبناء السلام، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة (2012) قد أبرز في تقرير له حول “بناء السلام في أعقاب الصراع”، أهمية أن تخلق عملية بناء السلام “مساحة أوسع لجميع الجهات الفاعلة داخل الدولة، بما في ذلك ممثلي النساء والشباب والضحايا والمجتمعات المهمشة… للمشاركة في صنع القرار العام بشأن جميع جوانب الحكم والإنعاش بعد الصراع”.
تاثير قرار مجلس الأمن 2250 على الواقع العملي للشباب والمتغيرات الحاصلة
تختلف مستويات الدول في مدى استجابتها لقرار مجلس الأمن حول الشباب، ولغايات المقارنة بين واقعين، يمكن لنا أن نتناول التأثيرات الإيجابية للقرار في أوروبا، والدول العربية.
ففي أوروبا، تم زيادة الميزانية المالية المخصصة للمشاريع والمبادرات المتعلقة بإدماج وإشراك الشباب في العملية الإنمائية وتوفير التدريبات المهنية اللازمة والحرص على توفير التعليم الجامعي، وبناء على ذلك تم إنشاء العديد من البرامج التعليمية والثقافية التي تلبي هذه الجوانب مثل برامج Erasmus الذي يوفر مئات الفرص لأكبر عدد ممكن من الشباب في قارة أوروبا لتلقي التعليم والتدريب المناسب، مما يتيح زيادة فرص العمل، بالإضافة إلى منصة SALTO-Youth والتي تم إنشائها إثر قرار مجلس الأمن المذكور، وتهدف إلى إعطاء الشباب تدريبات متنوعة لتطوير أنفسهم والتعامل بإحترافية مع قضايا المجتمع المختلفة، كما تم إنشاء منصة Eurodesk، وهي نقطة الاتصال الأولى للشباب لأي سؤال أو استرشاد مهما كان بسيطًا، بما في ذلك تقديم إرشادات شخصية حول كيفية التعامل مع الفرص والمبادرات المتاحة للشباب والاستفادة منها.
وفي الدول العربية، التي يشكل الشباب فيها حوالي 30% من السكان، أثر عدم الاستقرار السياسي منذ عام 2011 بشكل كبير على التنمية البشرية في المنطقة، وبالمقارنة بين عامي 2000-2003 و 2010-2015، ارتفع عدد النزاعات المسلحة في المنطقة من 4 إلى 11، ما أفرز العديد من الجماعات المسلحة وأزمة الأفكار وانشقاقاً كبيرا داخل المجتمعات أثر بشكل قاس على مسيرة التنمية، والتي سوف تتطلب إصلاح النسيج الإجتماعي أولاً واتباع نهج متكامل متعدد الأوجه يجمع بين التنمية السياسية والاقتصادية والمساعدة الإنسانية وتعزيز المجتمع المدني وبناء السلام، وهذا ما يمكن أن يكون فيه، بل ما يجب أن يكون فيه للشباب، دور كبير وجوهري.
بالمقارنة بين عامي 2000-2003 و 2010-2015، ارتفع عدد النزاعات المسلحة في المنطقة العربية من 4 إلى 11، ما أفرز العديد من الجماعات المسلحة وأزمة الأفكار وانشقاقاً كبيرا داخل المجتمعات أثر بشكل قاس على مسيرة التنمية
وكان فريق العمل الفني الإقليمي المشترك بين الوكالات المعنية بالشباب التابع لمجموعة الأمم المتحدة الإنمائية قد وضع إطارا إقليميا للإجراءات الإستراتيجية المشتركة للشباب في الدول العربية، حيث اشتمل على مجموعة من أربع أولويات، وهي التوظيف، والمشاركة المدنية، والإشراك والشمول، والصحة والتعليم. وعلى هذا الأساس، نلاحظ زيادة مشاريع توظيف وتدريب الشباب في المنطقة العربية ككل وزيادة التمويل من صندوق الأمم المتحدة والمجالس الدولية والإقليمية والمحلية لهذه النشاطات.
ولفت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (2020) في تصريح حديث له إلى الدور الذي تلعبه المنظمات التي يقودها الشباب في تنفيذ جدول أعمال قرار مجلس الأمن والتزامهم النشط بالتغيير الإيجابي، داعيا إلى الوصول غير المقيد إلى الفضاء المدني والاستثمار في المشاركة الهادفة للشباب.
المعيقات و التحديات التي تواجه قرار 2250
رغم الدور المهم والإسهام الإيجابي لقرار 2250 في قرع الجرس وفتح المجال بشكل أوسع للشباب للمشاركة في عملية صنع القرار وتحسين الدعم، لكن الواقع الذي يعيشه الشباب وخصوصا في المنطقة العربية يفرض عقبات كبيرة أمامهم. ومن أبرز هذه التحديات:
- من الناحية السياسية: حيث تعاني المجتمعات العربية من ضعف وانعدام الثقافة الديمقراطية في عموم المجتمع، وخاصة الشباب الذين قُتلت فيهم روح الأمل بالتغيير في ظل أحداث ما عرف بالربيع العربي وما تلاه من انتكاسات، وتدخل الجيش وقوات الأمن بشكل واضح في السياسة، بالإضافة إلى وجود نظام الحزب الواحد ومهاجمة الأحزاب المعارضة التي إن وجدت فهي معرضة للخطر والملاحقة، وبالتالي خوف الشباب من المشاركة في الحياة السياسية. ويعزز ذلك الدور السلبي للأحزاب والنقابات والحكومات والبرلمانات على السواء في تثقيف الشباب وتوعيتهم بمفهوم وآليات المشاركة السياسية بل وإبعادهم عنها لصالح الجيل القديم.
- الصعيد الاقتصادي: حيث تعزز الحروب والوضع غير المستقر الذي يعيش في ظله أغلب الشباب انتشار الفقر وندرة فرص العمل والصراعات الداخلية والتطرف وضعف المستوي التعليمي والصحي والخدماتي، ما يزيد من معاناة الشباب ويعيق قيامهم بدور إيجابي في المشاركة والتنمية.
خاتمة: سؤال العمل؟
لقد مثل قرار 2250 الصادر عن مجلس الأمن خطوة نوعية هامة يجب البناء عليها لتأكيد احترام حقوق الشباب وواجب إشراكهم في صنع القرار وتحقيق السلم والأمن الدوليين. ومن المبشر أن مناقشة التطورات التي حصلت على تطبيق قرار مجلس الأمن هذا قد أصبحت على طاولة المجلس بشكل دوري.
وفي العام 2018، أصدر المجلس قراره رقم 2419 مؤكدا على توصياته في القرار 2250 بخصوص الشباب، وهي توصيات يمكن اعتبارها خطة عمل ينبغي على الحكومات أن تأخذ بها، حيث دعا القرار، بالإضافة إلى تأكيد ما ورد في قراره 2250، الحكومات الوطنية إلى ضمان المشاركة الكاملة والفعالة للشباب دون تمييز، وتعديل القوانين التي تقيد مشاركتهم في العمليات الانتخابية وتولي المناصب السياسية الهامة، وحمايتهم من الجرائم التي قد تُرتكب بحقهم، مع الاعتراف بأهمية معالجة الأسباب الجذرية للصراعات والنزاعات، والتأكيد على أهمية مساهمة نهج متكامل في تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بما في ذلك التكنولوجيا الحديثة، التي يبدو أنها سهلت من فرص تجنيد الشباب وتحريضهم على ارتكاب أعمال إرهابية وتمويلها وتخطيطها، مع الاعتراف بالمساهمة المتزايدة للرياضة والثقافة في تحقيق التنمية والسلام وتعزيز التسامح، فضلا عن توسيع مشاركة الشباب في أعمال الأمم المتحدة، والإقرار بالدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب عبر الدبلوماسية الوقائية في منع نشوب النزاعات وحلها والترويج لثقافة السلام والتسامح والحوار بين الثقافات والأديان.
لا تتحمل فيستو أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء منظمة فيستو. تتعهد فيستو بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.