مساهمة النساء في الحقول العلمية و البحث العلمي: واقع و تحديات
تبنت الأمم المتحدة في خطتها للتنمية المستدامة لعام 2030 سبعة عشر هدفا، ومثّلت المساواة بين الجنسين الهدف الخامس، والذي يدعو لضمان حصول كلا الجنسين على فرص متساوية في التعليم والعمل والتمثيل السياسي والاجتماعي. وبالرغم من رصد عدة دول ميزانيات مخصصة لضمان المساواة بين الجنسين في مجالات الحياة، إلا أن تمثيل النساء لا يزال بعيدا عن التكافؤ، بما في ذلك مشاركتهن في قطاعات العلوم والبحث العلمي.
إذن، ما هي التفسيرات التي ناقشت التباين بين النساء والرجال في قطاعات العلوم والبحث العلمي؟ وكيف تؤثر العوامل الاجتماعية على انخراط المرأة في مجالات العلوم التي ما زالت توصم بأنها “ميادين ذكورية بامتياز”؟
إحصائيات حول مشاركة النساء في البحث العلمي
تشير دراسة نشرتها مؤسسة العلوم الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن نسبة الإناث الموهوبين لعام 2014 تجاوزت نصف مجمل الطلاب.
كما ترتفع نسبة النساء اللواتي يحصلن على شهادات البكالوريوس في الولايات المتحدة الأمريكية في العلوم الحيوية والطبية ودراسات الSTEM))، والتي تشمل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ففي عام 2017، كانت نسبة الإناث الحاصلات على شهادة البكالوريوس في الهندسة 50% مقابل 44 % للذكور. لكن بعد البكالوريوس تنخفض مشاركة النساء في البحث العلمي. فقد نشرت منظمة اليونيسكو إحصائية تشير إلى أن نسبة ما تشكله النساء الباحثات في مجالات العلوم الحيوية يساوي 30%، وتعد النسبة منخفضة ولا تتناسب مع خطة الأمم المتحدة لرفع التمثيل النسوي في شتى مجالات الحياة.
كما تنخفض نسبة النساء اللواتي يتابعن دراستهن العليا للحصول على شهادات الماجستير والدكتوراة في المجالات العلمية لعامي 2016-2017 في الولايات المتحدة، لتصل إلى %28.5 من حملة الدكتوراة في الرياضيات، و %32.2 من حملة الدكتوراة في مجال علوم التكنولوجيا، %20.1 من حملة الدكتوراة في علوم الحاسوب. هذه الإحصاءات اللافتة دفعت الكثير من الباحثين لمحاولة تفسير انخفاض نسبة النساء اللواتي يتابعن مسيرتهن في البحث العلمي والدراسات العليا.
نسبة انخفاض النساء المشاركات في البحث العلمي والتي توصف حسب الدراسات بظاهرة ال “Leaky Pipelines ” أو “ التسريب“
فرضية التباين كإطار تفسيري
ناقشت عدة تفسيرات التباين في نسب المشاركة في قطاعات العلوم والبحث العلمي بين النساء والرجال، وأهمها ما عرف بـ” فرضية التباين” أو بفرضية “سيطرة التباين الذكوري”[1]، والتي ترى أن الذكور يظهرون تفوقاً فردياً أكبر من الإناث في الخصائص الجسدية والنفسية، وأن الخصائص الجسدية والنفسية عوامل هامة في تحسين القدرات العقلية[2]، وهذا ما يزيد عدد الذكور الذين يتفوقون على الإناث في مجالات العبقرية العلمية.
دراسات حديثة[3] نقدت فرضية “سيطرة التباين الذكوري”، ورأت أن دراسة الفرق في الإنجازات العلمية بين الجنسين أعقد من أن يتم حصرها بأي نوع من التفوق الذكوري في أي مجال من المجالات. الدراسات والإحصاءات الجديدة أظهرت أن علامات التحصيل العلمي بين الإناث أعلى منها بين الذكور، بالإضافة أن نتائج الإناث أفضل قليلاً من الذكور في التخصصات العلمية في المعدل العام، كما هو موضح في الرسم أدناه.
تفسيرات أخرى ناقشت نسبة النساء المشاركات في الأبحاث العلمية، ومنها احتياج الإناث الى الدعم المعنوي والعاطفي لتحفيزهن على الإنجاز أكثر من احتياج الذكور، وهو ما يمسى بـ “نمو أو تطور التفكير”. بمعنى أن النساء أكثر تأثرا بالتغذية الراجعة السلبية من نظرائهن الرجال[4]. فالطالبات اللواتي يستمر الأهل والأساتذة بتذكيرهن أن ذكاءهن سيتوسع كثيرا بالخبرة والتعلم يحصّلن علامات أعلى في اختبارات الرياضيات والعلوم من نظيراتهن اللواتي لا يتلقين التحفيز.
الطالبات اللواتي يستمر الأهل والأساتذة بتذكيرهن أن ذكاءهن سيتوسع كثيرا بالخبرة والتعلم يحصّلن علامات أعلى في اختبارات الرياضيات والعلوم من نظيراتهن اللواتي لا يتلقين التحفيز
وهذا ينطبق أيضا على تحفيز النساء على إكمال دراستهن الجامعية في التخصصات العلمية، خصوصا في البيئات التي تنتشر فيها الصورة النمطية عن عدم قدرة الفتيات على مجاراة نظرائهن الذكور في التخصصات العلمية. وفي دراسة أجريت عام 2008، أظهرت أن الطالبات اللواتي تم إخبارهن أن الفروق بين الجنسين تعتمد بالأساس على خبرات الطرفين وليس على فرق جيني بينهما حصلن على علامات أعلى في أختبار الرياضيات المصمم للتجربة من نظيراتهن اللواتي تم إخبارهن قبل الأختبار أن الفروق التحصيلية بين الجنسين تعتمد على الجينات بالأساس[5]. وما نستنتجه من ذلك أن تعزيز ثقة الفتيات بأنفسهن يدفعهن للإقبال أكثر على التخصصات الموصومة بالصعبة، مما يساعد في ردم الفجوة بين تمثيل النساء والرجال في مجالات البحث العلمي.
تفسير آخر يستحق الطرح في هذا المقال، وهو أن تحقيق التحصيل العلمي للمرأة يعتمد على قدرتها في تحقيق التوازن بين التحصيل العلمي ووظائفها الأسرية، أو ما يعرف بـ ” الدور الاجتماعي” لكلا الجنسين. فمتابعة المرأة لدراستها وتطوير مهاراتها لتتمكن من المشاركة في الأبحاث العلمية يرافقه عادة ما يجب عليها أن تفعله “بنظر المجتمع” تجاه الأسرة، وتتقدم المرأة في المجال العلمي بقدر ما تحقق التوازن بين” الأسرة – العمل”، وضمن الحدود التي لا تتعارض مع ما هو متوقع منها تقديمه تجاه الأسرة.[6]
السياسات المحلية وتأثيرها على مشاركة النساء في مجالات البحث العلمي
تختلف نسبة مشاركة النساء في مجالات البحث العلمي من منطقة الى أخرى، فتصل الى 52% في الفلبين وتايلاند، كما وتصل الى التساوي في ماليزيا مثلا، ولعل ذلك يعود الى الدعم الحكومي لتمكين المراة وفتح مجالات التعليم أمامها، حيث تضاعفت نسبة انخراط النساء في التعليم 36 مرة ما بين 1957-2000 بحسب برنامج التطوير في الأمم المتحدة. أما في تركيا، فإن من بين كل ثلاثة باحثين هناك امرأة، أي بواقع 36% من نسبة الباحثين، كما تبلغ النسبة في الوطن العربي نحو 39% مع فارق النسبة من دولة لدولة، حيث تتقدمها سلطنة عمان بنسبة 70% تليها مصر بنسبة 44%، يليها السودان والعراق بنسبة 40% وتتراجع فيها فلسطين والسعودية بنسبة 23%.
مشاركة الإناث في مجالات البحث العلمي ما زالت متدنية بالرغم من جهود الأمم المتحدة وكثير من الدول لرأب الفجوة وتحقيق التكافؤ بين الجنسين
تعزي اليونيسكو في تقريرها ” نحو 2030 “ الفجوة الكبيرة بين النسبة العالية من خريجات التعليم العالي في الوطن العربي والنسبة القليلة للمشاركات في البحث العلمي والتوظيف في المجالات العلمية إلى أسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية متشابكة. أبرزها: المحيط المجتمعي، والقيود المفروضة على تحرك وسفر الفتيات من أجل الدراسة، الوضع الاقتصادي للعائلة، الدعم الحكومي للفتيات، والنظرة المجتمعية لدور المرأة في الأسرة.
ختاما. بالرغم من أن نسبة التحصيل العلمي والإنجاز الدراسي مرتفعتان بين الإناث، إلا أن مشاركة الإناث في مجالات البحث العلمي ما زالت متدنية بالرغم من جهود الأمم المتحدة وكثير من الدول لرأب الفجوة وتحقيق التكافؤ بين الجنسين في كافة المجالات. يقودنا ذلك الى التأكيد على أهمية التشريعات القانونية المختصة بفرض القوانين التي تضمن التكافؤ في العلم والعمل، بل ودعم المرأة بالموازنات اللازمة لمساعدتها على تحقيق التقدم العلمي بجانب مسؤولياتها المجتمعية، وتسخير البرامج اللازمة لتأهيل كلا الجنسين لتأسيس مزيد من التساوي وتحقيق التكافؤ الذي تطمح إليه الأمم المتحدة بحلول عام 2030.
[1] Ellis, H. (1894). Man and woman: A study of human sexual characters. London: Heinemann. 1934.
[3] O’Dea, R.E., Lagisz, M., Jennions, M.D. et al. Gender differences in individual variation in academic grades fail to fit expected patterns for STEM. Nat Commun 9, 3777 (2018). https://doi.org/10.1038/s41467-018-06292-0
[4] Adriana D. Kugler, Catherine H. Tinsley, Olga Ukhaneva. Choice Of Majors: Are Women Really Different From Men?. Cambridge, MA. August 2017.
[5] Carol S. Dweck. Mindsets and Math/Science Achievement. Stanford University, CA. 2008
[6] Jean, V. A., Payne, S. C., & Thompson, R. J. (2015). Women in STEM: Family-related challenges and initiatives. In M. Mills (Ed.), Gender and the work-family experience: An intersection of two domains (pp. 291-311). New York: Springer.
لا تتحمل فيستو أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء منظمة فيستو. تتعهد فيستو بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.