اتفاقات أبراهام: تقديم الدبلوماسية الروحية، الاستعمار الجديد وعصر القانون الدولي التوراتي الجديد (1/3)*
أحمد أبو فول و هبة جمال الدين
- المقدمة:
في الـ 13 من أغسطس لسنة 2020، توصلت إسرائيل والإمارات العربية المتحدة إلى “اتفاق سلام” بوساطة الولايات المتحدة، وذلك خلال مكالمة هاتفية بين قادة الدول المذكورة أعلاه. وأكد البيان المشترك أن ما يسمى بـ “اتفاقات أبراهام” قد أحدثت اختراقًا تاريخيًا في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات وأدت إلى تعليق خطط إسرائيل في بسط سيادتها [على الأراضي الفلسطينية]. غير أنه وفقًا لولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، فقد “تم التوصل إلى اتفاق لوقف المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية”. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد وصف الاتفاق بأنه تاريخي وأكد مرارًا وتكرارًا أنه لا يوجد “وقف” لخطط الضم، بل مجرد “تعليق” مؤقت. وطمأن أتباعه أن ضم “غور الأردن”، الذي يعد جزءًا من الضفة الغربية الفلسطينية، لا يزال “مطروحًا على الطاولة” وسيتم بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية.
وفي الـ 11 من سبتمبر 2020، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أن البحرين ستتبع خطى الإمارات وتوقع اتفاق “سلام” مع إسرائيل. تم التوقيع على كلتا الاتفاقيتين في البيت الأبيض في 15 سبتمبر 2020. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية/المعاهدة الإماراتية-الإسرائيلية كانت مفصلة إلى حد ما، بطول 4 صفحات مع ملحق مكون من 3 صفحات، بعنوان “معاهدة السلام والعلاقات الدبلوماسية والتطبيع الكامل“. ومع ذلك، كانت اتفاقية/إعلان البحرين وإسرائيل مجرد اتفاقية بطول صفحة واحدة، بعنوان “إعلان السلام والتعاون والعلاقات الدبلوماسية البناءة والودية“. وبالتالي، يركز هذا المنشور على الاتفاقية الإماراتية-الإسرائيلية باعتبارها الاتفاقية الأساسية.
لن يركز هذا المقال على غموض الاتفاقية أو الإعلانات المتضاربة من قبل أطرافها ولن يناقش شرعية الاتفاقية أو تناقضها مع القانون الدولي والالتزامات الدولية للموقّعين عليها. بدلاً من ذلك، يقوم المقال بالكشف عن أسباب اختيار النبي إبراهيم في وصف معاهدات التطبيع الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، يحاول هذا المنشور الإجابة على بعض الأسئلة المشروعة فيما يتعلق بطبيعة الاتفاقية ذاتها، أي هل يمكن اعتبارها اتفاقية سلام؟ هل ستجلب السلام؟ لماذا ربط اتفاقية سياسية مفترضة برمز ديني: “إبراهيم”؟ لماذا وكيف يمكن أن يكون هذا النهج هو المسمار الأخير في نعش القانون الدولي المعاصر كما نعرفه؟
يحاول المؤلف الإجابة على هذه الأسئلة من منظور القانون الدولي والعلاقات الدولية. بالمقابل، تحلل الكاتبة المشاركة، د. هبة جمال، معنى الإبراهيمية، الدبلوماسية الروحية والاستعمار الجديد كمفاهيم سياسية. كانت الدكتورة هبة أول أكاديمية عربية تكتب بشكل شامل عن هذه المفاهيم من منظور العلوم السياسية، كما وحذرت من هذا المشروع الأمريكي “الإبراهيمي”. يعرب المؤلف عن امتنانه للدكتورة هبة جمال لقبولها المشاركة في كتابة الجزء الأول من هذا المقال.
- اسم مضلل:
لم يتم تسمية هذه الاتفاقية باسم المكان الذي جرت فيه المفاوضات، أو تم التوقيع عليها، بخلاف اتفاقيات السلام الأخرى، لا سيما تلك التي كانت دولة الاحتلال طرفًا فيها. من المعروف أنه من إحدى التقاليد الدبلوماسية القديمة تسمية اتفاقيات السلام باسم المكان الذي تم الاتفاق أو التوقيع عليها فيه. عادةً ما يتم استخدام ذلك كوسيلة للاعتراف بالدور المهم والقيادي للدولة التي توسطت في الاتفاق. على سبيل المثال، سميت اتفاقيات السلام الإسرائيلية-المصرية بـ “اتفاقات كامب ديفيد” نسبة إلى المنتجع الرئاسي الأمريكي في ولاية ماريلاند. وبالمثل، أصبحت اتفاقية السلام الإسرائيلية-الأردنية تُعرف باسم “اتفاق وادي عربة” الذي سمي باسم وادي عربة، حيث أقيم الاحتفال. حتى الاتفاقات الإسرائيلية-الفلسطينية المرحلية المؤقتة المعروفة بـ “اتفاقيات أوسلو” سُميت باسم عاصمة النرويج، حيث جرت المفاوضات السريّة بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة تحرير فلسطين.
هناك العديد من الأمثلة على معاهدات سلامٍ في التاريخ الحديث، سميت على اسم الأماكن التي تم فيها التفاوض أو التوقيع عليها. ومنها معاهدة فرساي 1919، ومعاهدة سيفر 1920. وهناك مثال أحدث، هو اتفاقيات باريس للسلام لعام 1973. ومع ذلك، ربما يكون المثال الأكثر شهرة هو السلسلة التاريخية لمعاهدات السلام المعروفة باسم صلح وستفاليا 1648. أنهت معاهدات وستفاليا حربًا دينية وجيوسياسية استمرت 30 عامًا وقعت بين عامي 1618 و 1648 في وسط أوروبا. أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 8 ملايين شخصًا، مما جعلها واحدة من أكثر الحروب تدميرًا في تاريخ البشرية. بدأت هذه المعاهدة ما عرف بعد ذلك بالدبلوماسية الحديثة، التي تنطوي على النظام الحديث للدول القومية. وبعد صلح وستفاليا، لم تعد الحروب تدور حول الدين بل حول القضايا المتعلقة بالدولة.
من الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي صرح أثناء إعلانه عن الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية، إنها ستعرف باسم “اتفاقات أبراهام”. وطلب كذلك من السفير الأمريكي المناصر للاستيطان في إسرائيل، ديفيد فريدمان، شرح سبب تسميتها بهذا الاسم. قال فريدمان إن النبي إبراهيم: “كان أبا الأديان الثلاثة العظيمة [و] لا يوجد شخص أفضل من النبي إبراهيم يرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع هذه الديانات الثلاثة الكبرى”. ينبغي علينا التفكير بشكل نقدي في هذا النهج الأمريكي. أليست هذه الاتفاقية بطبيعتها “اتفاقية سلام”، أي اتفاقية سياسية وليست دينية؟
ليس من المصادفة إعطاء هذا الاتفاق اسمًا ونكهة دينيةً وحتى غرضًا دينيًا متمثلاً بـ: “الوحدة المحتملة بين جميع هذه الديانات الثلاث الكبرى“. بل إنما هي تسمية مضللة مقصودة، تحمل أجندة خفية متصورة. إنّ استخدام النبي إبراهيم كأبٍ للمعتقدات التوحيدية يفترض تلقائيًا أن إسرائيل والولايات الأمريكية المتحدة والإمارات العربية المتحدة هم الممثلون الحصريون لليهودية والمسيحية والإسلام، تباعًا. هذا الافتراض هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، وسيثير الكثير من المعارضة لا التأييد، خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط. إن مثل هذه الاتفاقية هي مشروع أمريكي خطير للغاية. علاوة على ذلك، قد يؤدي تطبيقه الكامل إلى صدام ديني كبير في المنطقة؛ صدام قد يخلف تدميرًا أكبر مما خلفته الحرب الدينية التي استمرت 30 عامًا قبل صلح وستفاليا.
ليس من المصادفة إعطاء هذا الاتفاق اسمًا ونكهة دينيةً وحتى غرضًا دينيًا متمثلاً بـ: “الوحدة المحتملة بين جميع هذه الديانات الثلاث الكبرى”. بل إنما هي تسمية مضللة مقصودة
وفقًا للدكتورة هبة جمال، فإن هذا المشروع الأمريكي هو مشروع استعماري جديد يهدف إلى خلق شرق أوسط “إبراهيمي” جديد. وهي تعتبر أن المستعمرين (الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، التي تُنعت بـ أسبرطة الصغيرة، للدلالة على نزعتها العسكرية) لن يتوانوا عن استخدام تقنيتهم المتقدمة واقتصاداتهم القوية للسيطرة على موارد المنطقة.
- الإبراهيمية، الدبلوماسية الروحية، والاستعمار الجديد:
بادئ ذي بدء، إن الصهيونية الإسرائيلية باعتبارها أيديولوجية استعمارية وعنصرية واستثنائية، وكذلك حركة قومية، تنظر إلى فلسطين التاريخية على أنها أرض مقدسة يحق لليهود المطالبة بها تاريخيًا من أجل خلاصهم. علاوة على ذلك، فإن الأيديولوجية الصهيونية المتلاشية تدور دائمًا حول ثلاثية الله والأرض والشعب. وهكذا، فبالنسبة لهم، يحل الإله في الأرض، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح الشعب “اليهودي” المختار الشعب الأزلي المقدس. يعتقد الصهاينة أن الله وعد النبي إبراهيم بأن هذه الأرض ستكون لنسله، أبناء يعقوب، أو “إسرائيل”. بالنسبة لهم، هي “الأرض الموعودة” التي سيعود إليها اليهود تحت قيادة الماشيَّح (المسيح المخلص) والتي ستشهد نهاية التاريخ. علاوة على ذلك، فهم مقتنعون بأن “أرض إسرائيل” تقع في وسط العالم، تمامًا كما يقف “اليهود الصهاينة” في موقع اجتماعي مركزي “كرؤساء، وأشخاص مختارون”. بالإضافة إلى ذلك، فهم يعتقدون أن تاريخهم المقدس يشكل حجر الزاوية في تاريخ العالم، بينما تشكل أفعالهم أساس خلاص العالم. وبينما يقول البعض أن “أرض الميعاد” هذه تتوافق تقريبًا مع حدود فلسطين التاريخية، يقول آخرون إنها تمتد من نهر مصر “النيل” إلى نهر العراق الكبير “الفرات”. هذا ما يسمى بـ “إسرائيل الكبرى” أو “أرض إسرائيل الكاملة” (عبد الوهاب المسيري، الفكر الصهيوني)
في بداية ظهور الحركة الصهيونية، كان هدفها الحصول على أرض الميعاد، “إسرائيل الكبرى”. ومع ذلك، وبالنظر إلى تطور الوضع السياسي في فلسطين التاريخية، كان من الصعب الإعلان عن هذه الهدف بشكل علني ورسمي. لذلك، لم تتم تسوية الحدود السياسية للدولة المشكّلة حديثًا، إسرائيل، لأن الصهيونية – كأيديولوجية استعمارية توسعية – لم تكن تنوي لإسرائيل الالتزام بحدود معينة عند الدخول في تسويات سياسية مع الدول المجاورة. وبالتالي، تم التخلي عن مفهوم “إسرائيل الكبرى” في شكله التقليدي لحساب ظهور مفهوم جديد، حديث وأكثر جاذبية، وهو “إسرائيل الاقتصادية/التكنولوجية الكبرى” كقوة إقليمية رئيسية. يشير هذا المفهوم إلى أن “إسرائيل الصهيونية” ستكون هي القوة العظمى التي تهيمن على المنطقة من خلال التفوق الاقتصادي والتكنولوجي، بالإضافة إلى المكاسب الدبلوماسية الإقليمية. سيُستخدم التفوق الاقتصادي والتكنولوجي لإسرائيل في حشد، وفي بعض الحالات وبمساعدة الولايات المتحدة، إجبار المزيد من الدول على تطبيع العلاقات معها، مثل السودان، أو إغراء البعض الآخر، مثل المغرب.
بالنظر إلى التحليل المذكور أعلاه من خلال عدسة التطورات الإقليمية الحالية، يبدو أننا نتجه نحو هذا المخطط، خاصة مع إدخال مفهوم جديد يُعرف بـ”الدبلوماسية الروحية” وبداية تطبيقه الفعلي. وتستند الخطة إلى المفاوضات بين العقائد التوحيدية الثلاث، ما يسمى بـ “الديانات الإبراهيمية”، وعلى استخدام مبادئها المشتركة الحالية لحل النزاعات. ستتم هذه الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها في إطار دبلوماسية المسار الثاني أو “دبلوماسية القنوات الخلفية”. تستلزم الدبلوماسية الروحية ساحة تفاوض غير رسمية – في هذه الحالة – يتم جمع رجال الدين مع السياسيين والدبلوماسيين لتحويل القضايا المشتركة والمتفق عليها إلى واقع على الخريطة السياسية. علاوة على ذلك، فهو يهدف إلى استعادة المصالح الدينية “للشعوب الأصلية” في المناطق التي تتكرر فيها الصراعات العنيفة – الطائفية منها على وجه الخصوص.
إن مركزية النبي إبراهيم في العقائد التوحيدية هي محور تركيز أساسي للخطة، التي تؤكد رحلة النبي إبراهيم عبر دول الشرق الأوسط العشرة الحالية. تعمل السياسة الخارجية لمكتب الحرية الدينية الدولي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية بشكل مترابط مع أحفاد النبي إبراهيم الروحيين المزعومين لتطوير شبكة من طرق الحج التي تربط الأماكن المقدسة في الدول التي زارها النبي إبراهيم. ومن الأمثلة الواضحة على هذا المخطط مشروع إزالة الألغام الأرضية من وادي نهر الأردن، الذي يضم ثالث أقدس موقع مسيحي، معمودية يسوع المسيح في الضفة الغربية الفلسطينية. لقد كان شكلاً عمليًا للتنسيق على الأرض بين المجالين السياسي والروحي (انظر هنا وهنا). وفقًا لتقرير صادر عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان المعروف بـ (بتسيلم)، بعنوان: “نهب واستغلال: سياسة إسرائيل في منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت“، زعم المجلس الإقليمي الإسرائيلي لغور الأردن أن النبي إبراهيم مرّ بالموقع في طريقه إلى أرض الميعاد. مع ذلك، لا يوجد دعم لمثل هذا الادعاء (تقرير بتسيلم، ص 63 من النسخة الإنجليزية). في سياق تنفيذ الخطة، أجرت جامعة هارفارد دراسة عملية للتفاوض على المسار بين أبناء إبراهيم في إطار مبادرة تسمى “السير على خطى النبي إبراهيم“. تبدأ الرحلة بتغطية من الأقمار الصناعية، من حران في تركيا وتستمر لمدة 55 يومًا لتشمل جميع المدن التي زارها النبي إبراهيم وفقًا للعقائد التوحيدية الثلاثة (انظر هنا)، من أجل خلق رابط مقدس بين الدول في الرحلة. تمثل الدول التي شملتها الدراسة خريطة “إسرائيل الكبرى”. (انظر هنا، صفحة 4)
إن التركيز على القواسم المشتركة هو ما يمهد الطريق لقبول الأفكار المشتركة في ضوء القيم الإلهية السامية التي يقبلها جميع المؤمنين بالعقائد التوحيدية، بهدف استخدام الأماكن المقدسة المشتركة كبداية لحل النزاعات المستمرة، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. علاوة على ذلك، يقدم هذا المخطط ربط القادة الدينيين والسياسيين لحل أسباب الصراع من خلال ‘إعادة المصالح الدينية للسكان الأصليين إلى الخريطة كمكونات أساسية لمفاوضات السلام بين الشعوب التي لها تاريخ من التدين الشديد‘. بالإضافة إلى ذلك، يهدف هذا النهج إلى إعادة الحقوق إلى “الشعوب الأصلية”، التي لم يتم تحديد هويتها بشكل واضح وبالتالي تُركت للاتفاق بين رجال الدين والسياسيين.
التركيز على القواسم المشتركة هو ما يمهد الطريق لقبول الأفكار المشتركة في ضوء القيم الإلهية السامية التي يقبلها جميع المؤمنين بالعقائد التوحيدية، بهدف استخدام الأماكن المقدسة المشتركة كبداية لحل النزاعات المستمرة، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
إن اختيار رحلة النبي إبراهيم للوصول إلى حل النزاعات القائمة بين هذه الدول (طريق النبي إبراهيم) من خلال اتفاق رجال الدين من العقائد التوحيدية الثلاثة هو طريقة لترجمة هذه التفاهمات إلى واقع سياسي، من أجل تحقيق الوحدة الفعلية. من اللافت للنظر أن هذا المخطط يعتبر أن الصراعات الطائفية بين المؤمنين بعقيدة واحدة يجب أن تكون الدافع للوحدة بين كل العقائد التوحيدية، وهذا في الواقع يحدث الآن في المنطقة. سيحل الانقسام السني الشيعي وتحالفاته التي تتشكل حاليًا محل القضية الفلسطينية وستصبح القضية الأهم في العالم العربي والإسلامي (كيسويتر والأسقف تشاني، ص 7).
في 2017، تم انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وهو الممثل الجمهوري لحركة المحافظين الجدد التي تدعم المسيحية الصهيونية، وعقيدتهم اللاهوتية توجب دعم إسرائيل لدعم ظهور المسيح. بعد ذلك، جاءت محاولة برعاية الولايات المتحدة من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتغيير مناهج المدارس الابتدائية في فلسطين ومحو عبارة القدس كعاصمة لفلسطين. وبدلاً من ذلك، أشارت المناهج الجديدة إلى أن القدس مدينة مقدسة لجميع “الديانات الإبراهيمية”، كمقدمة لخلق واقع جديد وبناء جيل جديد يؤمن بهذا الطرح.
في آب / أغسطس 2013، أقرّ جون كيري – وزير الخارجية الأمريكي الأسبق – “بالأرضية المشتركة بين الديانات الإبراهيمية” وأقر بتأثير “الدين العالمي” في مواجهة التهديدات التي تلوح في الأفق في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، أعلن جون كيري عن إنشاء مكتب المبادرات المجتمعية القائمة على الإيمان الذي يوجه الدبلوماسيين لإشراك القادة الروحيين والمجتمعات الدينية في العمل اليومي (اقرأ هنا وهنا). وخلال فترة هيلاري كلينتون كوزيرة خارجية للولايات المتحدة، تم تشكيل مجموعة عمل حول الدين والسياسة الخارجية: أسست 6 فرق تحت عنوان “الحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني“. وهو يتبع المجلس الاستشاري الفيدرالي للحوار الاستراتيجي، الذي يتألف من حوالي 100 من القادة الروحيين، ومسؤولي وزارة الخارجية الذين يتطلعون إلى تقديم المشورة لوزير الخارجية (انظر كيسويتر والأسقف تشاني، ص 5). على الرغم من تغيير وتعاقب وزراء الخارجية الأمريكيين وتغيير الإدارة من الديمقراطيين إلى المحافظين، إلا أن هذه الإدارة ما زالت قائمة وتمارس عملها تحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رمز المحافظين الجدد، مما يعكس استمرار النهج، لا انقطاعه. ووفقًا للدكتور سعد الدين إبراهيم (مؤسس ورئيس مركز ابن خلدون بالقاهرة)، فإن هذا النهج المؤسسي يعود إلى فترة رئاسة جورج بوش الأب، ولكن تم الإعلان عنه فقط في عهد هيلاري كلينتون كوزيرة خارجية (مقابلة مع د. إبراهيم، 27 أكتوبر 2017).
يقدم هذا المشروع رؤية لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس إنكار الأسباب الهيكلية للصراع والتركيز على إعادة رسم هوية الصراع
يتمثل الخطر الأبرز لما يسمى بـ “مبادرة طريق النبي إبراهيم” في ملكية الأراضي التي يعبر المسار من خلالها على طول الطرق التي سلكها النبي إبراهيم. ومع ذلك، فقد تم تسويتها من خلال مفهوم “الأرضية المشتركة بين الأديان الإبراهيمية“، والتي تستلزم تدويل الملكية، أي أنها لن تكون مملوكة لسكانها الحاليين فقط. وبالتالي، فإن الهدف من المسار هو التخلي عن الشعور القومي والفردي بالملكية في مقابل ترسيخ مبدأ المواطنة العالمية والاحترام المتبادل لتحقيق الاستدامة (انظر Talukdar). يقدم هذا المشروع أيضًا رؤية لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس إنكار الأسباب الهيكلية للصراع والتركيز على إعادة رسم هوية الصراع. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي ترسيخ الاحترام المتبادل إلى إزالة الحدود السياسية بين أفراد الأسرة الإبراهيمية الواحدة. تكتمل الفكرة بمبادرات سياسية تستخدم النبي إبراهيم كمدخل لقبول تقاسم الموارد والسيطرة عليها مركزيًا بحجة امتلاك التكنولوجيا لترشيد استخدامها في ظل تغير المناخ. وبالتالي، فإن الحل يكمن، بالنسبة لمهندسي هذه الخطة، في التخلي عن استقلال الدول وقبول الانضمام إلى الاتحاد الإبراهيمي لمواجهة المستقبل، وهذا الاتحاد ستترأسه إسرائيل (انظر يوئيل أوز، خطة حركة الاتحاد الإبراهيمي). هذا سيشكل ولادة مرحلة من الاستعمار الجديد تحت شعار “تقاسم فوائد الموارد الطبيعية يساعد على منع الصراع“.
- ملاحظة ختامية:
سواء كنت تتفق مع نظرية الدكتورة هبة أم لا، هناك شيء واحد يجب أن نتفق عليه: لقد علّمنا التاريخ أن استغلال الدين لأغراض سياسية أدى دائمًا إلى عواقب وخيمة. لا أحد يعارض السلام. لكن يجب علينا التأكد من أن ما يسمى بـ “اتفاقية سلام” لن يؤدي إلى صدام ديني كبير بدلاً من ذلك. يناشدكم الكاتب أن تحتفظوا بأحكامكم حتى تتمكنوا من قراءة الجزأين الثاني والثالث.
* تم نشر هذا المقال أولا باللغة الإنجليزية عبر منصة “من أجل السلام والإنسانية Platform for Peace and Humanity”. للاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال، انقر
لا تتحمل فيستو أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء منظمة فيستو. تتعهد فيستو بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.