مقدمة
توقف قطار الانتخابات الفلسطينية من حيث بدأ. فقبل يومين من موعد انطلاق الدعاية الانتخابية للقوائم الانتخابية المتنافسة على مقاعد المجلس التشريعي الذي كان مقررا في 1 مايو الجاري. أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات بحجة منع إسرائيل التحضير للانتخابات وإجرائها في القدس المحتلة. وكانت الانتخابات ستتم بموجب التوافقات بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة و اسطنبول. وكان عباس قد أصدر في 15 كانون الثاني الماضي مرسوماً رئاسياً يدعو فيه لإجراء الانتخابات العامة. على أن يتم انتخاب أعضاء المجلس التشريعي بتاريخ 22 أيار من العام الجاري، تليها الانتخابات الرئاسية بتاريخ 31 تموز، وأخيراً استكمال أعضاء المجلس الوطني بتاريخ 31 آب. وقد جرت آخر انتخابات رئاسية وتشريعية في الأعوام 2005، 2006 على التوالي، أي منذ ما يزيد على 15 عاماً.
أتاحت الفرصة السياسية ذات الزمن القصير والتي بدأت منذ اعلان المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات العامة إلى تشكيل القوائم الانتخابية والتي وصل عددها إلى 36 قائمة. كما وشكّلت هذه الفترة فرصة للباحثين لدراسة تشكيلات القوائم، والفئات المشكّلة لها، وأبرزهم الشباب، باعتبارهم الفئة الأكثر انتشاراً في المجتمع الفلسطيني، وباعتبار هذه الانتخابات كانت فرصة لإشراكهم في النظام السياسي. ورغم توقف مسار الانتخابات. إلاّ أن الفترة الماضية شهدت تفاعلا للشباب الفلسطيني مع الإعلان عن الانتخابات وتشكيل القوائم. يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على شكل هذا التفاعل.
إحباط في أوساط الشباب الفلسطيني
أسفر الإعلان عن إجراء الانتخابات العامة في فلسطين عن حالة من الإحباط سادت في أوساط الشباب الفلسطيني، خاصة بعد نشر التعديلات التي تناولت بعض المواد والبنود في قانون الانتخابات والتي لم تأبه للمطالبات على مدار السنوات بالعمل على إيجاد كوتة شبابية على غرار كوتة المرأة من أجل تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية، وقد دفعت حالة الإحباط هذه لوصف القانون بالمجحف للشاب الفلسطيني.
تضاعفت حالة الإحباط هذه مع تجاهل الرئيس محمود عباس للمطالبات العديدة والمناشدات لخفض سن الترشح دون ال28 لانتخابات المجلس التشريعي، وإلى ما دون الأربعين لانتخابات الرئاسة. وهو ما سيسمح لعدد كبير من الشباب بالترشح.
وجاءت البيانات النهائية التي أصدرتها لجنة الانتخابات المركزية عقب الانتهاء من تحديث السجل الانتخابي لتعمّق من حالة الإحباط، وذلك بعد أن تبين أن العدد النهائي للمواطنين من كلا الجنسين المؤهلين للاقتراع هو 2.546.449. عدم خفض سن الترشح أدى إلى حرمان 880 ألف ممن يحق لهم الاقتراع من المنافسة على مقاعد المجلس التشريعي (حوالي31%)، وأكثر من 1.815 مليون فلسطيني (حوالي 63%) من الترشح لمنصب الرئيس.
يضاف إلى العقبات أعلاه، التعديلات التي طرأت على النظام الانتخابي وإلغاء نظام الدوائر، واعتماد نظام التمثيل النسبي بالكامل (اعتبار الضفة وغزة دائرة انتخابية واحدة). ففي الوقت الذي يحاجج فيه البعض بأنّ نظام التمثيل النسبي سيشكّل فرصة مهمة للشباب للترشح كونه يتيح هامشاً للفئات المهمشة لخوض العملية الانتخابية، وللفوز لاحقاً. لكن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، وأكبر دليل على ذلك انتخابات البلديات خلال الأعوام الماضية. والتي أثبتت في أكثر من موقع أنّ فئة الشباب تم تمثيلهم ضمن الحد الأدنى.
وعلى ما يبدو أنّ هذه العقبات التي أفرزها القانون الانتخابي الفلسطيني لم تكن كافية لتعميق حالة الإحباط بين الشباب الفلسطيني ومنعهم من الترشح، ففي الوقت الذي وصل فيه معدل البطالة بين الشباب إلى 30%، ومعدّل الحد الأدنى للأجور 590$، فرض القانون الانتخابي دفع مبلغ 20 ألف $ لتسجيل أي قائمة انتخابية، وذلك في تجاهل واضح وصريح للواقع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه الشباب الفلسطيني.
في الوقت الذي وصل فيه معدل البطالة بين الشباب إلى 30%، ومعدّل الحد الأدنى للأجور 590$، فرض القانون الانتخابي دفع مبلغ 20 ألف $ لتسجيل أي قائمة انتخابية
يرى الكاتب السياسي مصطفى ابراهيم أنّ هناك عقبات إضافية تحول دون ترشح الشباب الفلسطيني للانتخابات التشريعية بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، لعل أبرزها توجه الشباب للتصويت لصالح القوائم الحزبية بحكم انتمائهم لها على حساب التصويت للقوائم الشبابية، بالإضافة لاحتمالية كبيرة لتشتت الأصوات بسبب تشكيل عدد من القوائم الشبابية الانتخابية (غير المنتمي للأحزاب) المتحمس والذي يمتلك رغبة في التغيير، بدلاً من توحيدها في قائمة انتخابية واحدة تمثلهم.
أشكال المشاركة الشبابية في القوائم الانتخابية
لم تمنع حالة الإحباط التي سادت أوساط الشباب الفلسطيني والتي سببتها القوانين التي صعبت وعقدت عملية ترشحهم سواء للانتخابات التشريعية أو الرئاسية، من التفاعل معها قبولاً ورفضاً وفي المجالين الواقعي والافتراضي.
أولى هذ التفاعلات تجلّت في القوائم الانتخابية نفسها، وخاصة الحزبية منها. فقد مثّل المرشحين من الفئة العمرية (28-40) على المرتبة الثانية من مجموع الفئات العمرية المرشحة بنسبة 38.5% وبفارق بسيط عن المرشحين من الفئة العمرية 50 فما فوق والتي وصلت إلى 39.3%.
بعض القوائم كان تمثيل الشباب فيها مرتفع، سواء كانت حزبية أو مستقلة. فمن أصل 7 قوائم حزبية، مثل الشباب النصف فأكثر في اثنتين منها: اليسار الموحد( ائتلاف فدا وحزب الشعب) بنسبة 65%، تليها قائمة القدس موعدنا( حركة حماس) 51%. في حين وصل تمثيل الشباب في بعض القوائم المستقلة إلى 100%: الفجر الجديد وقائمة حلم التجمع الشباب المستقل، ونسبة 50% فأكثر في 11 قائمة أخرى من القوائم المستقلة.
شكل آخر للتفاعل تمثل في محاولة لتنظيم جهود الشباب الفلسطيني وتوحيدها في قائمة واحدة تعبّر عن همومهم ومطالبهم ورؤيتهم المستقبلية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا ما نجده في قائمة “طفح الكيل” المستقلة والتي تضم عدداً من الحراكات الشعبية وهي: حركة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، حركة “بكفي يا شركات الاتصالات”، حراك أرضنا، وحراك جيل ال 90. وترى قائمة “طفح الكيل” أنّ من حقهم أن يكون لهم قائمة تمثلهم وتسعى لرفع صوتهم، من خلال كتلة مشتركة تضم مجموعة من الحراكيين تتبنى قضايا مختلفة في كل من الضفة وغزة، كما وتؤكد أنّ برنامجها الانتخابي يهدف إلى إنهاء التفرّد السياسي وتبني الشراكة السياسية بدلاً منه.
هناك مجموعة من الشباب رفضوا شكل الانتخابات بصورتها الحالية لأنها من وجهة نظرهم لا تسمح بوجود عملية ديمقراطية حرة ونزيهة
وفي المقابل هناك مجموعة من الشباب رفضوا شكل الانتخابات بصورتها الحالية، لأنها من وجهة نظرهم لا تسمح بوجود عملية ديمقراطية، حرة ونزيهة وعادلة، كما أنّها ستزيد من تهميش ملايين من الفلسطينين داخل وخارج الأراضي المحتلة، وبخاصة فئة الشباب.
هذا ما عبّرت عنه حركة حركة جيل التجديد الديمقراطي “جد” والتي تشكّلت في 10 شباط 2021، والتي اختارت الفضاء الإلكتروني بديلاً عن العالم الواقعي لإجراء محاكاة للعملية الديمقراطية، من خلال إطلاق القائمة البرلمانية الافتراضية، وهي قائمة تضم مرشحين من الشباب الفلسطيني الذين تتراوح أعمارهم بين 18-45، و تطرح برنامج اجتماعي، ديمقراطي، سياسي قائم على النهج التشاركي، تحاكي من خلاله انتخابات المجلس التشريعي دون المشاركة الرسمية فيها، كما وأنها تسعى لحث الشباب على تنظيم وحشد أنفسهم في جسم واحد كي يتمكنوا من تحقيق مطالبهم.
تأجيل الانتخابات مزيد من الإحباط للشباب الفلسطيني
شكل الإعلان عن الانتخابات بارقة أمل للمشاركة السياسية للشباب الفلسطيني. لكن قرار تأجيل الانتخابات الصادر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتاريخ 30 نيسان الماضي بحجة رفض الاحتلال الإسرائيلي إقامتها في القدس، أعاد طرح المعضلات التي كان يأمل الشباب الفلسطيني التغلب عليها من خلال صناديق الاقتراع، لعل أهمها إنهاء التفرد بالقرار السياسي، والفرصة لتجديد الشرعية، واستبدال الوجوه القديمة بقيادة شابة تمتلك الأدوات والأساليب اللازمة لمواكبة التطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي. بما يضمن إعادة الحضور الدولي للقضية الفلسطينية، وإنهاء الفساد الذي ينهش المؤسسات الرسمية، وتنفيذ برامج الإصلاح على القاعدة التشاركية بمشاركة كافة فئات المجتمع وعلى رأسها الفئات المهمشة.
ويبقى السؤال المطروح، هل سيرضخ الشباب الفلسطيني لقرار عباس بالتأجيل، أم سيعبر عن تطلعاته بأساليب وطرق مختلفة؟
لا تتحمل فيستو أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء منظمة فيستو. تتعهد فيستو بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.